كم رائع شعار "
الشعب يريد إسقاط النظام " و الأروع جدا تحقيقه على أرض الواقع ، و لكن هل
الجماهير التي خرجت منذ 2011 حتى اليوم كانت فعلا مدركة ما هو النظام ..
كشفت لنا الثورة أن بن
علي نفسه لم يكن هو النظام و الدليل أنه سقط و ظل النظام بعده يتحكم في كل أركان
الدولة و مفاصلها ، بن علي كان مجرد ناطق باسم النظام لا أكثر .. سأشرح أكثر .
لا يخلو احتجاج منذ
الثورة حتى اليوم من شعار " الشعب فد فد من الطرابلسية الجدد "،
في قائمة اللصوص الكبار
ال 127 الذين نهبوا خزينة البنك المركزي بقروض وهمية و قدرت الأموال المنهوبة ب
7000 مليار ، نجد بلحسن الطرابلسي و هو أكبر لصوص الطرابلسية يحتل المرتبة 68 في
القائمة بنهبه قرضا يقدر ب 32 مليارا ، في حين أن القائمة تضم لصوصا احتلوا
المراتب الأول نهبوا من خزينة الدولة مئات المليارات " عياد ، مزابي ،
العتروس ، ماهر و شقيه الطيب بن عايد ، المورادي ، محسن حشيشة ، عبد الناظر و
كثيرون كثيرون من قروضهم الوهمية فاقت مئات المليارات فمثلا عياد لوحده نهب 332
مليار و حشيشة 182 مليار " ، غير أن التركيز بعد الثورة توجه إلى الطرابلسية
فقط ، هذا دون ذكر عزيز ميلاد الذي لهف قرضين متتالين بقيمة الإثنين أكثر من 800
مليار و هو غير موجود بالقائمة أصلا .." القائمة تجدونها في أول التعاليق " ..
السؤال الذي يطرح من أعد
هذه القائمة ؟ هل تعرفون أصل الموضوع الذي أدخل شفيق جراية السجن ؟ بعد 2013 صار
شفيق جراية يتطاول على كمال لطيف بعد أن تأكد أن هذا الأخير بمعية الباجي قد تمكنا
من ابتزازه في أكثر من عشرة مليارات على أساس تسوية وضعيته الغير القانونية من القروض
التي نهبها بدوره من الدولة و نفس الشيء للمرحوم رجل الأعمال مبروك الخشناوي و لكن
هذا الأخير عرف كيف ينجو من الفخاخ التي نصبت له و ظل يصارع كمال لطيف لآخر رمق في
حياته ...
ذات مرة أطلعنا المناضل
عبد الرؤوف العيادي على وثيقة بنكية تثبت أن كمال لطيف قد أعفته البنوك من خطية
سنة 2000 بقيمة 130 مليار لعدم سداد القروض ، و المعلوم أن الخطايا من هذا النوع
لا يتجاوز 10./. من قيمة القرض المسند إليه ، و لكم أن تدركوا حجم القرض الذي تمتع
به و مع هذا ليس فقط لا يوجد إسمه في القائمة بل و حتى أنه لم يخضع لملف التسوية
كما تمت العملية مع لزهر سطا و سليم شيبوب ، و المضحك أن عماد الطرابلسي من سجنه
طلب المصالحة كغيره و لحد اليوم لا زال مطلبه في الدرج لا ينظر إليه أحدا ..
و لكم أن تتساءلوا لما كل
هذا التركيز على بلحسن الطرابلسي فقط و تجاهل الحيتان الكبرى بل إن أغلب كبار
اللصوص لا يسمع بها أحدا ..و منهم من تمتع بقروض أخرى وهمية بعد الثورة أيضا ...
أعود فأقول بن علي لم يكن
سوى ناطقا باسم النظام ، و النظام الذي تركته فرنسا تحميه عملاؤها الأصليون أو
أبناؤها الشرعيون و ليسوا من كانوا بالتبني مثل بن علي ، هو عبارة عن تنظيم سري و
في عادة التنظيمات السرية يكون الناطق باسم التنظيم لا يعرف من يكون داخل التنظيم
حتى إذا ما سقط ظل التنظيم قويا لا تشوبه شائبة ...
كشفت لكم الثورة
المتنفذون في البترول و الفسفاط ، هل وجدتم أسماء الطرابلسية فيها ، الطرابلسية
اختصاصهم خمور و مخدرات و فريب إلخ ، آما ثرواتنا الباطنية ففرنسا تركت ثقاتها فقط
من تحرسها و لا يمكن أن يتبدلوا مهما كان الحاكم الجديد ...
لعلنا ندرك جيدا الآن أن
14 جانفي سقط بن علي و كل آله و ظل النظام واقفا لم يسقط .. حتى أننا اكتشفنا أن
بن علي لم يكن سوى ديكورا خارجيا و أنه سقوطه معناه سقوط رأس النظام فقط و ظل جسده
واقفا بل أقوى من ذي قبل فمن هو المتحكم في النظام ؟ أو الأحرى كيف ننادي بإسقاط
النظام و أغلبنا يجهل ماهيته ؟
خرجت مسيرة أمس رافعة
شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " و في ذهن المحتجين أن النظام هو
الإخوان و المقصود هي النهضة ، و لنفترض جدلا أن النهضة من حكمت هي بعد الثورة و
هذه حقيقة مغلوطة أيضا ، فبعد الثورة حكم الباجي ثم كانت الترويكا التي لم تحكم
أصلا لكثرة الإضرابات و الاغتيالات و الارهاب حتى وقع إسقاطها ثم من 2014 حتى
اليوم لم تكن النهضة سوى شريكا ثانويا في السلطة و السلطة الفعلية بيد من كانوا في
عهد بن علي يمتلكون القرار ، و مع ذلك لنفترض جدلا أنها هي فعلا من حكمت العشر
سنوات الماضية ...
بن علي الذي حكم لمدة 23
سنة لم يستطع النفاذ نحو النظام و الدليل حين أسقطته الثورة لم يسقط النظام لأنه
فعلا كان مجرد ديكور له لا أكثر ... كان بمثابة رئيس عصابة تنهب و تقتل .. و مهما
بلغت عمالته لا يمكن الوثوق به لأنه كما قلت ليس ابن شرعي لهم بل هو ابن قواد لا
غير و يظل كذلك في نظرهم ...
بن علي و الذي يعتبر ابن
السلطة منذ نعومة صغره و يعرف دواليبها و قدم للاستعمار الفرنسي خدمات جليلة لم
يستطع افتكاك النظام فكيف ستفتكه النهضة في عشر سنوات و هي خريجة السجون لا تعلم
عن السلطة إلا المفاهيم التي تدرس في الكتب ؟
النظام لم يسقط و الدليل
أن ثرواتنا لا زالت تتحكم فيها فرنسا بموجب اتفاقات قديمة و مجحفة ، و هو نفسه
الذي جعل هذا الشعب لا يعرف من اللصوص إلا الطرابلسية حتى لا يكتشف اللصوص و
المافيا الحقيقية التي تركتها فرنسا ، إن النظام نفسه من يوجه المحتجين عبر أدواته
و التي كشفتها الثورة " السياسية و النقابية و الأمنية " إلى الدخول في
صراع مع نظام وهمي لا وجود له حتى يتمكن النظام الحقيقي من الاختباء ...
كتبت ألاف المرات أن
الأغلبية الساحقة لا تفرق بين الماكينة التي تركتها فرنسا و بين التجمع ، و دونت
عشرات التدوينات لأوضح أن التجمع هو تنظيم وهمي صنعه بن علي بكمشة من الانتهازيين
أقسى طموحاتهم أن يرضى عليهم سيدهم و بمجرد أن هرب سيدهم اختبؤوا و منهم من لبس
السفساري حتى لا يتفطن إليه ، كما قلت أنه بعد هروب بن علي ، و لتوجيه الأنظار عن
النظام عن الماكينة عن السيستام الذي يحكم هذا البلد ، كان لا بد من خلق معركة
وهمية هي منتهية قبل بدئها ، حيث و لإبعاد الخلق عن الرؤية الصحيحة كان لابد من
خلق رؤية خادعة تلتفت لها الناس ، فكانت معركة حل التجمع و مجلس المستشارين حتى لا
يقع اكتشاف النظام الأصلي الذي يتحرك خلف الاتحاد و حزب العمال في القصبة 1 و القصبة
2 ، و بمجرد أن وضع هذا النظام رأسه " الباجي " في القصبة و أدرك أنه استقر له الحال أطرد كل المعتصمين ..
النظام نفسه اليوم من
يحرك الاحتجاجات بعد أن أيقن أن الثورة كشفت كثيرا من عيوبه و كما جعل الشعب لعشر
سنوات يدور في فلك نمنامة بن علي و الطرابلسية و هم أضعف حلقاته ، يحاول اليوم أن
يوجه الشعب نحو نظام وهمي حتى يتمكن ثانية من الاختباء ثم السيطرة من جديد خاصة و
أنه بات متأكدا أن العالم بات يتحرك ضده .
الشعب يريد إسقاط النظام ، و من لا يتحرك وفق السعي لإخراج فرنسا و تحرير تونس من قبضتها لتحقيق هذا الشعار فهو يعمل أداة عند النظام سواء عن قصد أو دونه .
الأسعد البوعزيزي