عرفها الجميع سيّدة نبيلة
بين النّساء، أوّل نائب لرئيس مجلس تشريعي في تونس وفي العالم العربيّ، امرأة
راقية مثقّفة متحضّرة، هادئة متّزنة ذات مهابة ووقار قلّ نظيره بين النّساء رغم
مسحة المرح والتّواضع الشّديد الظّاهرة على محيّاها...
لكنّ ما حدث لها في هذه
السّنة كان عاصفا مدمّرا... عايشت مثلما عايش كلّ النّوّاب تسونامي البذاءة
والرّداءة والهمجيّة الّتي رافقت قدوم "الڨعرة" إلى المجلس، وصبرت مثلما
صبر الجميع وصابرت، ثمّ طفح بها الكيل يوم 20 جويلية 2020 في المجلس الفرعي، وفقدت
أعصابها أمام بلطجة الكتلة الفاشيّة وإصرارها على تعطيل الجلسة، فقرّرت أن
تتصدّى... بجسدها وغضبها وصراخها، قرّرت أن تصارع الخنازير العابثة، ولأوّل مرّة
سقط عنها تاج الوقار... وتكسّر شظايا... وسجّلت الكامرا لحظات المواجهة الأليمة مع
الفاشيّة في ملعبها الّذي تحبّه، وتلقّفت المشهد قطعان الفايسبوك وإعلام المجاري،
وأقيمت حفلات الشّواء من لحمها الحيّ، راحوا يسلخون الضّحيّة وهي حيّة! تلك
الرّائعة الوقورة جعلوا منها أضحوكة ومسخرة، ومادّة للتّندّر والتّرذيل في
إذاعاتهم وعلى صفحاتهم... ونسوا أصل الدّاء ومصدر الوباء...
رأيتها بعد ذلك بأيّام،
كانت حزينة ومحبطة وموجوعة، قالت لي: أرأيت؟! ... كلّ مسيرتي كرئيسة للمجلس
التّأسيسي ومواقفي وأخلاقي وطباعي نُسِيت كلّها، واليوم يختصرونني فقط في تلك
الدّقائق المؤسفة!! لنا اللّه يا أخي!
اليوم أيضا... أنظر إلى
حالي... أنا الّذي عشت طول عمري مترفّعا متحضّرا، أحترم الجميع ويحترمونني، تركت
المقاهي وأغلقت بابي على جيران النّدامة وهجرت لغو الزّملاء في العمل، ترفّعا عن
البذاءات والسّقَطِ وقلّة الحياء و"تطييح" القدر، وفي الأخير... أجد
نفسي في نفس الغدير مجبرا على مصارعة الخنازير، وعلى الصّياح و"الرّديح"
مع الزّغراطة والعيّاطة!!
الغصّة الّتي قتلت
محرزيّه... الغصّة الّتي سوف تقتلني!
عبد اللطيف العلوي.