القائمة الرئيسية

الصفحات

#إعلام_تحت_الصفر أو عذاب الحيّ

 

في تسعينات القرن الماضي قرأتُ بصحيفة القدس العربي أنّ إعلامية تونسية تدعى ليلى الشايب تخضع لتكوين في الكلام بالعربية الفصحى قبل أن تلتحق بقناة الجزيرة القطريّة.. لتكون مذيعةً بها...

 منذ مدّة اضطرّتني أوضاع البلد إلى متابعة أخبار الثامنة على القناة الوطنيّة الأولى...

وقد خرجت من متابعتي بملاحظات منها:

1. أنّ أغلب مذيعي هذه القناة عاجزون عن نطق الأصوات العربيّة... كأنّ بألسنتهم عُقَدًا تحول دون عربيّة أصواتهم.. أو كأنّ ألسنتهم ملويّة.. لا تكاد تنطق صوتا عربيًّا نطقا سليما...

فغير واحد منهم لا ينطق الراء مثلا.. وبعضُهم لا فرق في نطقه بين السين والصاد... وبعضهم لا تكاد تَميز من منطقه الضاد عن الظاء عن الذال... إلخ

تسمعهم فتجد من الأذى أكثر ممّا يحصل لك من الفائدة.. فهم أقرب إلى العجماوات التي لا بيان منها.. وليست تصلح دليلا...

2. أنّهم كثيرو اللحن.. لا يكاد المذيع منهم يُعرب كلمةً حسب وظيفتها في جملتها أو موقعها من سياقها... فلا فرق بين فاعل ومفعول ولا بين منصوب ومجرور.. ولا بين إنشاء وإخبار... تتحوّل نشرة الأنباء، التي تأتيها مضطرًّا، بين هؤلاء إلى ورشة لتعذيب اللغة العربية وتدمير الذوق السليم.. وتخريب المعنى المفيد... يتداول على صفع اللغة وخدش الذائقة و"تهريس" المعنى المذيع القاعد ومذيعو الميادين.. كأنّهم يتنافسون الأذى نكاية في المشاهدين.. وإعداما للفائدة...

صعوبات النطق ليست عيبا في ذات الإنسان، ولسنا ننقم من هؤلاء عطبهم البيولوجي.. ولكن ليس من المقبول أن ينجز المرء عملا يأخذ عليه أجرا وهو غير مستطيع له، لا قدرة ولا كفاية.. لأنّ قيمة كلّ امرىء ما يُحسنُ.. ولست أرى من هؤلاء جهدا لإحسان.. ولا أفقًا لتحسُّن...

 الإعلام عمل موَجّه إلى جمهور  يتلقّى بسمعه وبصره.. والتلفزة التونسية مؤذية للسمع وللبصر كليهما.. ولا تفسير لانتدابها للجهلة والعاجزين وفاسدي سند الفهم ومحدودي كلّ شيء سوى غياب المعايير السليمة في الانتداب.. وكأنّ العمل بها  لا يعدو "سبّوبة" يحتكرها من لا علاقة له بالإعلام.. فهي ملاذ الجياع الباحثين عن الخبز لا أكثر...

كأنّ المسؤولين عن انتداب المذيعين بالقناة الوطنيّة عصابة مستوطنين لا يعنيهم الإعلام ولا قيمة يقيمونها للجمهور.. ولا كفاية لهذه العصابة غير احتكار مرفق عمومي ينفق عليه المواطن التونسي من دمه...

حين أشاهد قنواتنا التونسيّة، خاصّها وعموميّها، أشعر كأنّ لعنة تلاحقنا نحن التونسيّين.. نرى كفايات عليا منّا تبدع في قنوات عالميّة فنفتخر.. ولكنّنا نلتفت إلى هنا فلا نرى لدينا سوى أوكار تعشّش بها غربان يؤذينا نعيبُها.. وتأكل من إصابتنا بالأذى..

كأنّها تعلّمت أن تجلدنا لتأكل بعذابنا خبزا...

بقلم الأستاذ :  نور الدين الغيلوفي

هل اعجبك الموضوع :
اعلان منتصف الموضوع